Wednesday, November 26, 2008

شكـر واعتـذار



شكـر واعتـذار

عندما قبل اتفاق الطائف، بغض النظر عن رأينا بهذه الوثيقة التي أتت نتيجة محصلة عن مختلف موازين القوى خلال تلك الفترة، بانخراطه إذاً بهذه التسوية الأليمة والتي اعتبرها آنذاك ضرورية لوضع حد للحرب، قبل سمير جعجع باسم المقاومة أن يسامح الجرائم التي ارتكبت بحق المسيحيين خلال سنوات الحرب الخمسة عشر التي سبقت وكان بالتالي من حقه أن ينتظر بالمقابل أن يسامح هو أيضاً وتسامح حركة المقاومة بكاملها والمسحيين في لبنان أجمعين.

* * * * *

ولتكون الصورة واضحة ورسمية ومن دون أي التباس، وقف سمير جعجع بشجاعة وتواضع ليقر علنياً وصراحةً " بالأخطاء " وليعتذر عنها. من البديهي أن طلب السماح هذا كان موجهاً إلى " عدو " الأمس بقدر ما كان موجهاً إلى المسيحيين أنفسهم. لكن ومن دون أن نقلل من أهمية هذه الخطوة التاريخية اتجاه " الطرف الآخر "، أود أن أتطرق إليها هنا ببعدها " الداخلي ".

يتوجه إذاً سمير جعجع أيضاً، وربما بشكل خاص، إلى المسيحيين. فهو يقبل أن يتحمل أمامهم أمام التاريخ مسؤولية كافة أعمال المقاومة طوال مسيرتها، بمختلف مكوناتها وبقياداتها المتعاقبة، منذ أول يوم من وجودها. وقد قام بذلك " باسم المقومين الأحياء والشهداء " بموجب مبدأ الاستمرارية التاريخية والوحدة " الإيديولوجية " لحركة المقاومة منذ بداياتها.

لكن، وبدلاً من إحياء هذه الوقفة التي تتحلى بقيمة رمزية وسياسية لا مثيل لها، فقد انتهز " أصحاب الفكر المستقيم " في المجتمع المسيحي هذا الموقف ليحولوه إلى " اعتراف " وليستغلونه ضد صاحبه.

هل يجدر التذكير بأن سمير جعجع لم يتولى عملياً الأمور وبتالي لا يمكن اعتباره مسؤولا فعلياً إلاّ ابتداء من 15 كانون الثاني 1986 وفي ما يخص حصراً " القوات اللبنانية " والمناطق التي كانت تحت سيطرتها ؟ أمن الضروري أيضاُ التذكير بأن المسؤولية السياسية في ما يتعلق بمصير المسيحيين كانت حتى في خلال تلك الحقبة مشتركة مع رئيس الجمهورية ؟ هل تجدر الإشارة إلى أن " الأخطاء " التي ارتكبت قبل ذلك التاريخ، أي منذ العام 1975، لا تقل فظاعة بكثرتها وخطورتها من تلك التي كانت ستلي ؟ إنّه لمن الصعب جداً تصحيح أسطورة كاذبة يجري التداول بها خاصة عندما يصار إلى تغذيتها بأقدر مقدار من سوء النية. إن تحميل جعجع مسؤولية كامل ويلات المسيحيين هو أمر غير صحيح تاريخيا وغير عادل سياسياً وغير أخلاقي.

* * * * *

ارتكبت " الميلشيات " ممارسات وتجاوزات غير مقبولة، لا أحد ينفي ذلك. أعمال لا تبرير لها وليس لأحد أن يقبل تحملها. إلاّ أنّ على " أصحاب الفكر المستقيم " المتأثرين بالأمثال " البارسية " أن يلقوا نظرة على حقيقة المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. هذه المقومة، وعلى غرار مقاومتنا، وبالنسبة ذاتها على الأقل، ضمت في صفوفها أسياداً وقتلة، أوادم وزعران، مثقفين ورجال صف. وعرفت المقاومة الفرنسية أيضاً، وبقدر مقاومتنا، أخطاء وضياعاً وكافة أنواع التجاوزات والخيانات والاقتتال. سارت " جيبات " القوات الحرة الفرنسية بعكس السير، وشتم المقاومون الناس وصادروا الشقق السكنية وتصرفوا كالأبضايات وجمع بعضهم المال بوسائل غير مشروعة. طبيعة الإنسان هي هي منذ القدم والحرب لطالما ستبقى حرباً. لكن كل ذلك لا يقلل من قيمة المقاومة وضرورة وجودها وبطولاتها ولا يضرب مكانتها في التاريخ. إن دراسة نقدية للتاريخ أمر ضروري للشعوب لكن يجب ألاّ نرمي الصالح مع الطالح.

إنّ " أصحاب الفكر المستقيم "، كبار المعجبين النظريين بالمقاومة الفرنسية الجالسين في صالوناتهم، الذين لم يتخذوا أي موقف وبقوا " فوق " كل التزام، ولم يطلقوا طلقة نار واحدة، هؤلاء الذين " لم تلطخ أيديهم بالدماء "، على هؤلاء بالذات أن يطلبوا هم الاعتذار. عليهم هم أن يعتذروا من المقاومين، الشهداء منهم والأحياء، لعدم تقديم الشكر لتضحياتهم. عليهم الاعتذار لنكران الجميل والاعتذار لاحتقارهم لبطولات المقاومين والاستمرار بالتشهير بسمعتهم.

No comments: